` `

كيف يؤثر تحيز وسائل الإعلام على صدقية المسار الانتخابي في تونس؟

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
أخبار
27 سبتمبر 2024
كيف يؤثر تحيز وسائل الإعلام على صدقية المسار الانتخابي في تونس؟
انتقدت هياكل مهنية تونسية بث تقارير متحيزة خلال الحملة الانتخابية

تستعد تونس لتنظيم انتخابات رئاسية في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2024، يتنافس فيها ثلاثة مترشحين، هم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، ورئيس حركة "عازمون"، المسجون بتهمة تزوير التزكيات، العياشي زمال، بالإضافة إلى أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي.

انطلقت الحملة الانتخابية في 14 سبتمبر/أيلول الجاري، على أن تنتهي قبل موعد الاقتراع يومين. وتغطي وسائل الإعلام العمومية والخاصة الحملة وفق دليل شاركته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وحددت فيه أهم الواجبات المحمولة على وسائل الإعلام المحلية والأجنبية.

رصد "مسبار" بعض التقارير التي غطّتها هذه المحامل وخاصة العمومية منها ووجد فيها تحيزًا لصالح المترشح قيس سعيّد.

وسائل إعلام عمومية تبث تقارير متحيزة

بث التلفزيون الرسمي التونسي، خلال الحملة الانتخابية تقريرًا عنوانه "أبرز التحولات التي شهدتها تونس منذ الثورة"، تناول فيها ما قال إنّها ملامح المشهد السياسي التونسي منذ عام 2011 وإلى غاية عام 2024.

وجاء في التقرير، الذي بث ضمن برنامج سياسي تبثه القناة باسم “حدث وتحليل” في 23 سبتمبر الجاري، ومدته 6 دقائق و41 ثانية، أنّ الرئيس التونسي قيس سعيّد أوفى بجميع التعهدات السياسية التي قطعها خلال سنوات حكمه الخمس، وأنه أسس برلمانًا حقيقيًا ودستورًا يعكس تطلعات الشعب التونسي في الحصول على حقوقه الأساسية وإرساء غرفة برلمانية ثانية.

أثار التقرير جدلًا واسعًا في الساحتين السياسية والإعلامية، فقد اعتبره كثيرون تقريرًا دعائيًا يُعزز حظوظ المترشح قيس سعيّد على حساب بقية المترشحين، ويقوّض مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين جميع المترشحين.

وأشاد التقرير بسنوات حكم الرئيس التونسيّ الحالي وانتقد من حكموا البلاد قبله، كما أشار إلى أنّ سعيّد نجح منذ توليه الحكم في أكتوبر عام 2019، في الوفاء بكافة وعوده السياسية.

كما تضمن التقرير مشاهد فوضى وعنف داخل برلمان 2014 المنحل، وأشار إلى الاغتيالات السياسية التي جرت في البلاد خلال السنوات السابقة، دون أن يقدم أي نقائص أو أزمات سياسية أو اقتصادية واجتماعية جدت في البلاد عقب الإجراءات التي اتخذها سعيد.

ولم يكن تقرير التلفزيوني الأول من نوعه، فقد بثت الإذاعة التونسية الرسمية قبل يومين فقط من بدء الحملة الانتخابية، تقريرًا مدته دقيقتان و44 ثانية، أشاد بتوجهات وقرارات الرئيس التونسي، بينها التدابير الاستثنائية التي أقرها في 25 يوليو/تموز عام 2021.

واستخدمت في التقرير عبارات مثل "دوامة الفوضى"، "عاصفة سياسية"، "صراعات سياسية وانقسام"، لوصف الفترة التي سبقت يوليو 2021، وقالj إن إجراءات الرئيس جاءت لاستعادة تونس واستعادة هيبة الدولة وإنقاذ البلاد من الفوضى، وهو ما اعتبرته هياكل المهنة الصحفية في تونس دعاية سياسية موجهة.

وفي تعليقها على فحوى التقرير، نبّهت نقابة الصحفيين في تونس إلى "شبهات وجود غرفة لإدارة المضامين الإعلامية في اتجاه دعائي وسياسي وانتخابي يضرب صورة المؤسسة الإعلامية ومصداقيتها ويتعارض مع أخلاقيات المهنة وقواعد التغطية الصحفية في سياق انتخابي".

وأكدت نقابة الصحفيين، في بيان أنّها تلقت بلاغات من صحفيين يعملون داخل مؤسسات إعلامية عمومية أخرى، مفادها أن القائمين على تلك المؤسسات طلبوا منهم "إنجاز أعمال صحفية حول نفس الموضوع وبنفس الاتجاه".

بيان نقابة الصحفيين التونسيين حول ضرورة اتباع المبادئ المهنية في تغطية الانتخابات
بيان نقابة الصحفيين التونسيين حول ضرورة اتباع المبادئ المهنية في تغطية الانتخابات

إقصاء الأصوات المعارضة من برامج "البرايم تايم"

إلى جانب بثّ تقارير دعائية تعزز حظوظ مترشح على حساب منافسيه، أقصى المشرفون على الإعلام العمومي (الرسمي) في تونس، تقريبًا، كل الأصوات المعارضة لسعيّد من البرامج التي تُبث في أوقات الذروة، واكتفوا باستضافة رأي واحد، الذي عادة ما يكون داعمًا للرئيس والسلطة.

وبتاريخ 25 سبتمبر 2024، استضاف برنامج "استديو الوطنية" الذي تبثه الإذاعة التونسية نائب البرلمان، يوسف طرشون، المؤيد لمشروع تعديل قانون الانتخابات لتجريد المحكمة الإدارية من سلطة البت في النزاعات الانتخابية، للحديث عن المشروع، دون استضافة أيّ من الأصوات المعارضة له.

ولاحظ مسبار بمتابعة البرنامج اليومي، أنّه لا يستضيف الأصوات المعارضة لسياسة الحكومة والرئيس قيس سعيّد أو التي تنتقد هيئة الانتخابات، ويركز في المقابل على البلاغات والتصريحات الداعمة للمسار.

ويستضيف برنامج "حدث وتحليل"، الذي يبثه التلفزيون الرسمي يومي الاثنين والخميس على الساعة السابعة مساءً، محللين سياسيين دائمين، لا تعارض آراؤهما أو تنتقد توجهات الرئيس ومساره السياسيّ بل يتوافقان معها في أغلب التحليلات، وهما سفيان بن فرحات وفاطمة الكراي.

يناقش البرنامج الشأن العام للبلاد من وجهة نظر واحدة، دون تخصيص مساحة للرأي الآخر.

وتتعارض هذه الممارسات مع الدليل الصادر عن هيئة الانتخابات، المحدد لضوابط التغطية الإعلامية لمسار الانتخابات الرئاسية لعام 2024.

دليل وسائل الإعلام في الفترة والحملة الانتخابية في تونس/ هيئة الانتخابات
دليل وسائل الإعلام في الفترة والحملة الانتخابية في تونس/ هيئة الانتخابات

وأعلنت هيئة الانتخابات، في وقت سابق، ولايتها التامة على مراقبة المضامين الإعلامية والصحفية في تونس، في خطوة رفضتها هياكل مهنة الصحافة في البلاد. 

واعتبرت الهياكل المهنية أن "تحوّل هيئة الانتخابات إلى جهاز رقابة على الآراء الحرة وعلى المضامين الصحفية، يتعارض مع صلاحياتها ويتناقض مع المعايير الدولية في مجال حرية الصحافة والتعبير".

بيان هيئة الانتخابات تؤكد فيه بأن مراقبة عمل وسائل الإعلام يأتي ضمن ولايتها العامة على الاستحقاق
بيان هيئة الانتخابات تؤكد فيه بأن مراقبة عمل وسائل الإعلام يأتي ضمن ولايتها العامة على الاستحقاق

وانتظمت في مقر التلفزيون التونسي، الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 ، عمليتي القرعة الخاصة بحصص التعبير المباشر للمترشحين للانتخابات الرئاسية والمشاركة ضمن البرنامج التلفزي "لقاء خاص".

وأسفرت نتائج قرعة حصص التسجيل للتعبير المباشر  التي كان من المفترض أن تبدأ يوم 23 سبتمبر الجاري، عن الترتيب التالي: المترشح زهير المغزاوي، يليه المترشح قيس سعيد، ثم المترشح العياشي الزمال.

اما نتائج القرعة الخاصة بالحضور ضمن البرنامج التلفزي "لقاء خاص" الذي كان من المنتظر أن يبث على مدار ثلاثة أيام، 24 و25 و26 سبتمبر 2024 على القناة بداية وكانت الحصة الأولى بتاريخ 24 سبتمبر 2024 للمترشح قيس سعيد. أما الحصة الثانية بتاريخ 25 سبتمبر 2024 للمترشح زهير المغزاوي، والحصة الثالثة بتاريخ 26 سبتمبر 2024 للمترشح العياشي الزمال.

ولم تبث هذه الحصص حتى الآن، وصرحت عضو هيئة الانتخابات نجلاء العبروقي لصحيفة الصباح اليومية، أنّه سيتم بث الحصص في الأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية بالنسبة لقيس سعيد وزهير المغزاوي، لكن المرشح العياشي زمال لن يتمكن من ذلك بسبب وجوده في السجن.

من المنتظر أن تبث حصص التعبير المباشر للمترشحين للانتخابات في الأسبوع الأخير من الحملة/ الصباح
من المنتظر أن تبث حصص التعبير المباشر للمترشحين للانتخابات في الأسبوع الأخير من الحملة/ الصباح

وفي الإعلام الخاص، عمد المشرفون على برنامج "Rendez Vous 9"، الذي يبث يوميًّا على قناة التاسعة الخاصة، إلى الاعتماد على محلليْن سياسيين كضيفين قاريْن في البرنامج (داعمين للرئيس)، كما اكتفى معدّ البرنامج في حلقة تم بثها بتاريخ 24 سبتمبر الجاري، بحضور نواب من البرلمان داعمين لتوجه تنقيح القانون الانتخابي في حين لم تتم استضافة أيّ من الآراء المعارضة لهذا التوجه.

تضييقات على الصحفيين العاملين في قاعات التحرير السياسية

وفي بلاغ لها بتاريخ 23 سبتمبر الجاري، قالت نقابة الصحفيين التونسيين إنها تلقت منذ انطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية، عددًا من الإشعارات من الصحفيين، بوكالة الأنباء الرسمية، حول جملة من الممارسات التي تُؤتيها الإدارة العامة للوكالة وإدارة التحرير للتضييق على عمل الصحفيين في مختلف الدوائر التحريرية وخاصة الدائرة التحريرية السياسية.

ووفق بيان النقابة، فإنّ هذه التضييقات تتمثل في التدخل في البرقيات الإخبارية بشكل يُخل بالجانب المهني والتدخل لدعم وجهة نظر على حساب أخرى، إضافة إلى إدخال تغييرات بالحذف على محتويات البرقيات دون العودة إلى المسؤولين عن أقسام التحرير أو التشاور معهم رغم تواجدهم في نفس مكان العمل.

كما يتعرض الصحفيون ومسؤولو الدائرة التحريرية السياسية إلى المضايقة اليومية من قبل مدير التحرير عبر الهاتف أو مباشرة للتضييق على عملهم، ووصل الأمر إلى حد المنع من تغطية أحداث مهمة.

ونددت نقابة الصحفيين في البيان ذاته، بما اعتبرتها ممارسات تهدف لتطويع وكالة تونس أفريقيا للأنباء والتضييق على صحفييها لثنيهم عن القيام بواجبهم المهني ضمن الأطر القانونية وأخلاقيات المهنة المتعارف عليها.

مهنيون: إقصاء المعارضة ضرب للمهنية وصدقية الانتخابات

وأكد نقيب الصحفيين التونسيين، زياد دبار، في مداخلة له على إذاعة الجوهرة (محلية)، وجود محاولات لوضع اليد على وكالة تونس أفريقيا للأنباء، مشيرًا إلى أنّ الصحفيين العاملين في المؤسسة أبلغوهم بتعرض مضامين إعلامية للصنصرة وممارسة الرقابة القبلية على المضامين الإعلامية ورفض تغطية أنشطة على حساب أنشطة أخرى. 

وأضاف نقيب الصحفيين في مداخلته، أنّ التغطية الإعلامية للانتخابات الرئاسية تقوم على ثلاثة مبادئ أساسية وهي التعددية والمساواة والحرية، مؤكدًا على وجود مساعٍ لضرب مبدأ التعددية وذلك من خلال التركيز على نشاطات الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد أكثر من بقية المترشحين، وفقه.

وأشار دبار إلى وجود ضغوطات داخل قاعات التحرير في المؤسسات العامة والخاصة من قبل بعض المسؤولين ومن قبل هيئة الانتخابات التي ترسل في تنبيهات وإنذارات تهدد من خلالها الصحفيين على خلفية أخطاء مهنية صنفتها كجرائم انتخابية.

واعتبر نقيب الصحفيين أن مضايقة الصحفيين والضغط عليهم والتدخل في عملهم يهدد مصداقية المسار الانتخابي، مؤكدًا أنه من حق التونسيين نقد أداء هيئة الانتخابات وتقييم أداء الرئيس التونسيّ، وفقه.

وأكدت رئيسة مجلس الصحافة، اعتدال مجبري، أنّ كل الإخلالات والمحظورات التي رافقت المسار الانتخابي في علاقة بحرية الإعلام وفرض رقابة على المضامين الصحفية، سيكون لها تأثير سلبي على مصداقية المسار الانتخابي. 

واعتبرت المجبري في حديثها مع "مسبار"، أنّ بثّ تقارير دعائية لمرشح رئاسي على حساب بقية المترشحين والتدخل في الخط التحريري للمؤسسات الإعلامية العمومية وإقصاء المعارضة من البرامج التلفزيونية والإذاعية التي تُعنى بالشأن العام، يعدّ إخلالًا بأخلاقيات المهنة الصحفية.

وقالت المجبري إنّ ممارسة ضغوطات على الصحفيين للانتصار لمرشح دون غيره أو إقصاء مرشحين يعدّ إخلال لقواعد العمل المهني وبكل ما ورد في الدليل الذي أصدرته هيئة الانتخابات لفائدة وسائل الإعلام والذي دعا للمساواة بين المترشحين وتوفير مبدأ تكافؤ الفرص والموضوعية، واعتبار رئيس الدولة مرشحًا من ضمن المرشحين.

ودعت المجبري وسائل الإعلام في تونس إلى الأخذ بعين الاعتبار كل الناخبين والناخبات واحترام القوانين التي تنظم الحملة الانتخابية، وذلك من خلال نفس الفرص والمساحة لكافة المرشحين والمساواة فيما بينهم.

إقرأ/ي أيضًا

ما قانونية سحب صلاحيات المحكمة الإدارية لصالح الاستئناف قبيل أيام من الانتخابات الرئاسية في تونس؟

أي دور لملاحظي المجتمع المدني في الحد من الأخبار الزائفة وضمان نزاهة الانتخابات في تونس؟

الأكثر قراءة