` `

على غرار مزاعمها في غزة: إسرائيل تدعي وجود أسلحة في منازل لبنانيين لتبرير قصفها

هاجر عبيدي هاجر عبيدي
سياسة
26 سبتمبر 2024
على غرار مزاعمها في غزة: إسرائيل تدعي وجود أسلحة في منازل لبنانيين لتبرير قصفها
هوية الضحايا تُشير إلى أنّ إسرائيل تستهدف المدنيين في لبنان

ارتفعت حصيلة الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل على جنوب لبنان منذ صباح يوم الاثنين 23 سبتمبر/أيلول إلى 558 قتيلًا من بينهم 50 طفلًا و94 امرأة و1835، وفقًا لتصريحات وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض. وقد استهدف القصف الإسرائيلي قرى وبلدات ونسف منازل ومباني سكنية بالكامل مخلفًا دمارًا فادحًا راح ضحيته مئات المدنيين والجرحى.

إسرائيل تبرر هجماتها على المدنيين بمزاعم أن حزب الله يخبئ أسلحته بها

بالتزامن مع الضربات الجوية على لبنان، ادعت إسرائيل أن حزب الله يخفي أسلحة داخل بيوت اللبنانيين، في إطار يُفهم كتبرير لاستهدافها لمدنيين وضربها للمناطق السكنية. وقد نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي على صفحته الرسمية على "اكس" مقطع فيديو دعا فيه سكان القرى اللبنانية إلى "إخلاء البيوت التي خبأ فيها حزب الله الأسلحة قبل بدء الغارات الجوية المكثفة في القريب العاجل"، كما أشار أدرعي أن "حزب الله يشجع السكان على عدم مغادرة منازلهم وإنه يختبئ بينهم لكنه بذلك يضحي بهم".

وأشار أدرعي في منشور آخر أن “كل من يتواجد بالقرب من عناصر حزب الله ومنشآته وأسلحته يعرض حياته وحياة أبناء عائلته للخطر”، وأن "عمليات حزب الله تجبر جيش الدفاع الإسرائيلي للعمل ضد البنى التحتية الإرهابية في القرى"، مدعيًا أن الجيش الإسرائيلي غير معني بالمساس بالمتساكنين إذا كانوا داخل أو بالقرب من منزل يحتوي على أسلحة لحزب الله.

بدورها تبنت الناطقة الرسمية باسم الجيش الإسرائيلي إيلا واوية خطاب أردعي نفسه، مبررة في مقطع فيديو الهجمات التي خططت إسرائيل لشنها على قرى بجنوب لبنان بأن حزب الله يخزن الصواريخ والمنصات والطائرات المسيرة داخل المنازل المدنية، ويعرض السكان للخطر، وأن إسرائيل تدمر كل سلاح ترصده بضربات دقيقة داعية المواطنين اللبنانيين إلى الابتعاد عن ممتلكات حزب الله من اجل سلامته وأمنهم.

في الإطار ذاته توجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى الشعب اللبناني، برسالة ادعى فيها أن الحرب ليست ضدهم وأنها ضد حزب الله الذي استعمل الشعب اللبناني كدروع بشرية ووضع صواريخ في غرف سكنهم وقذائف في مواقف سياراتهم، وأن هذه الصواريخ والقذائف موجهة مباشرة نحو مدن إسرائيل ومواطنيها، ولحماية الشعب الإسرائيلي من هجمات حزب الله، يجب تدمير هذه الأسلحة.

الجيش الإسرائيلي يكرر استراتيجية تبرير هجماته في غزة في لبنان

بمراجعة مسبار للادعاءات الإسرائيلية قبل وبعد مقتل المدنيين، لوحظ أن إسرائيل تعمل على بث المزاعم نفسها حول وجود أسلحة داخل المباني السكنية، أو وجود مسلحين محتمين في مناطق مأهولة بالمدنيين، لتبرر استهدافها للمدنيين وتتبرأ من جريمة قصفهم، على نحو مشابه لاستراتيجية اتبعتها خلال حربها الحالية على غزة، وذلك في تناقض واضح مع التقارير والأدلة حول المجازر المرتكبة.

عقب أوامر بالإخلاء.. مجازر يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين بحجة محاربة حماس

في سيناريو مماثل لما يحدث حاليًا في لبنان، عمد الجيش الإسرائيلي سابقًا وأكثر من مرة إلى حث المدنيين في قطاع غزة على مغادرة منازلهم وأماكن وجودهم، للقيام كما يقول بعمليات عسكرية تستهدف عناصر حماس. ولوحظ أنه مع انتهاء أغلب العمليات الإسرائيلية، فإنّ وسائل الإعلام وحسابات على مواقع وسائل التواصل، تتناقل مشاهد مروعة لمجازر ترتكب في حق المدنيين.

لعل المثال الأبرز يتعلق بمجزرة المستشفى المعمداني التي راح ضحيتها أكثر من 500 شخض، غالبيتهم من النساء والأطفال، والتي سبقتها تحذيرات من جيش الاحتلال لأهالي سكان حي الزيتون بضرورة النزوح إلى جنوب وادي غزة. وقد ادعى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، في فيديو نشره صباح مجزرة المعمداني التي ارتكبت يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول "أن الحي مكتظ ومليء بأوكار حماس وأن حماس تحاول التحصن وحماية نفسها".

هذه التحذيرات دفعت بالفلسطينيين إلى التوجه نحو ساحة مستشفى المعمداني للاحتماء به على اعتبار أنه مكان آمن من الغارات الإسرائيلية، ليطاوله القصف وترتكب مذبحة في حق الفلسطينيين المتواجدين داخله.

فيما تعرضت مدينة خانيونس في 16 أكتوبر 2023، التي أمر الجيش الإسرائيلي بالتوجه نحوها وزعم أنها مكان آمن، إلى قصف استهدف مباني سكنية مأهولة بالسكان، القصف الذي راح ضحيته عشرات المدنيين جرحى وقتلى، من بينهم أطفال ونساء.

بدعوى القضاء على عناصر حماس تواصل إسرائيل ارتكاب الجرائم ضد المدنيين 

في شهر مايو/أيار 2024 استهدف الجيش الاسرائيلي نازحين في منطقة المواصي جنوبي قطاع غزة، بسلسلة من الغارات العنيفة التي أدت إلى مقتل العشرات غالبيتهم من النساء والأطفال، إضافة إلى سقوط عشرات الجرحى، وذلك رغم تصنيف منطقة المواصي كمنطقة آمنة ودعوة النازحين إلى المكوث فيها بعد أن زعم الجيش الإسرائيلي توفر الخدمات الإنسانية اللازمة في المنطقة، مؤكدًا على لسان متحدثه أفيخاي أدرعي "أن الحرب ضد حماس التي تستعمل المدنيين دروعًا وليست ضد الفلسطينيين".

استهداف المدارس التي زعم الجيش الإسرائيلي أنها أماكن آمنة

بناءً على تقارير سابقة، تتعمد إسرائيل قصف المدارس التي تأوي المدنيين النازحين بعد إرغامهم على النزوح من منازلهم. وقد استهدفت إسرائيل سابقًا العديد من المدارس من بينها مدرسة صلاح الدين التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي استهدفت أكثر من مرة وسقط فيها ضحايا وجرحى غالبيتهم من الأطفال. 

كما تتخذ إسرائيل من نفس الذرائع باستهداف حماس وقاداتها لتبرير جرائمها ضد المدنيين، إذ علّق الجيش الاسرائيلي على قصف مدرسة صلاح الدين بالقول إن حركة حماس تستخدم المدرسة كمخبئ وقاعدة لتنفيذ هجماتها ضد القوات الإسرائيلية. وادعى الجيش الإسرائيلي أنه وجه ضربات دقيقة استهدفت المسلحين وذلك بعد أخذ الاحتياطات اللازمة لتخفيض تعرض المدنيين للخطر.

استهداف المسلحين لا يبرأ إسرائيل من جرائم الحرب التي ترتكبها ضد المدنيين

خلفت الحرب الإسرائيلية على غزة خسائر بشرية فادحة حيث قتل ما لا يقل عن 41431 شخص معظمهم من النساء والأطفال. كما فُقِد 10000 فلسطيني إلى جانب تسجيل آلاف الإصابات في صفوف المدنيين العزل، وكانت الكارثة الإنسانية التي حلت بالفلسطينيين جراء القصف الإسرائيلي يتم تبريرها بملاحقة عناصر حماس ومحاولة تصفيتهم، وذلك بدون مراعاة لمبادئ القانون الدولي الإنساني.

صورة متعلقة توضيحية
آخر حصيلة لوزارة الصحة الفلسطينية نتيجة الاستهدافات الإسرائيلية نقلًا عن وزارة الصحة الفلسطينية

استهداف المدنيين جريمة حرب ويتعارض مع القانون الدولي وضرورة حمايتهم

إن مزاعم وجود مسلحين في مناطق مدنية لا يبرر استهداف المدنيين العزل وممتلكاتهم، إذ يؤكد القانون الدولي الإنساني على مبدأ التمييز، الذي يُلزم بضرورة التفريق بين المدنيين والمقاتلين بهدف تجنب إلحاق الضرر بالمدنيين. كما يشدد على مبدأ التناسب، الذي يقضي بأن تُنفذ الهجمات العسكرية بناءً على توازن بين المكاسب العسكرية المتوقعة والوسائل المستخدمة وتبعات تلك الهجمات. بالإضافة إلى ذلك، يبرز مبدأ التحوط، الذي يوجب اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية السكان المدنيين.

تنص المادة 3 من اتفاقية جنيف لعام 1949، على أنه في حالة حدوث نزاع مسلح لا يحمل طابعًا دوليًّا، يجب اتخاذ مجموعة من التدابير لحماية "الأشخاص الذين لا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية"، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض، أو الإصابة، أو الاحتجاز، أو لأي سبب آخر. يجب معاملتهم في جميع الأحوال معاملة إنسانية دون أي تمييز ضار قائم على العرق أو اللون أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو المولد أو الثروة أو أي معيار آخر مشابه.

كما يُحظر قتل المدنيين بموجب "قانون ليبر" لعام 1863، إذ تنص المادة 44 على أن جميع الأعمال الوحشية المرتكبة ضد الأشخاص في البلد المحتل، وكذلك عمليات السرقة والنهب والقتل، محظورة تحت طائلة عقوبة الإعدام. وتنص المادة 23 أيضًا على منع قتل أو نفي المدنيين العُزل.

موت المدنيين بذريعة استهداف المسلحين يتعارض مع القانون بالضرورة والتناسب

كما يصنّف ميثاق المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ، في المادة 8، القتل العمد، والتعذيب، والمعاملة اللاإنسانية ضمن جرائم الحرب. رغم أن موقف القانون الدولي الإنساني واضح بشأن حظر قتل المدنيين، فإن الهجوم العسكري الذي يتسبب في مقتل مدنيين عزل قد لا يُعدّ انتهاكًا للقانون الدولي إذا كان ضروريًّا، بشرط أن يكون هناك توازن بين الضرورة العسكرية والمزايا التي تحققها الأهداف العسكرية المشروعة. ومع ذلك، فإن اسرائيل، بتسببها في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، قد انتهكت مبدئي الضرورة والتناسب. ولا يمكنها الاكتفاء بالادعاء بأن المدنيين ليسوا أهدافًا وأنها تستهدف فقط تصفية المقاومين.

اقرأ/ي أيضًا

إسرائيل تستمر باستخدام أدلة هشّة ومضللة لتبرير سياساتها في تجويع أهالي غزة

بروباغندا الخطاب الإسرائيلي وأساليب تبرير الجرائم خلال الحرب على غزة

الأكثر قراءة