` `

كيف أثرت الحرب الرقمية وانتهاكات التكنولوجيا الإسرائيلية على الأمان الرقمي للفلسطينيين؟

فاطمة حماد فاطمة حماد
تكنولوجيا
4 سبتمبر 2024
كيف أثرت الحرب الرقمية وانتهاكات التكنولوجيا الإسرائيلية على الأمان الرقمي للفلسطينيين؟
إسرائيل تحوّل الفضاء الرقمي إلى جزء من الحرب الشاملة على الفلسطينيين

أصدر المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة)، اليوم الأربعاء الرابع من سبتمبر/أيلول، ورقة موقف تناولت التبعات والآثار المترتبة على الأمان الرقمي للشباب الفلسطيني خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مسلّطة الضوء على تصاعد الانتهاكات الرقمية لحقوق الفلسطينيين بالتزامن مع الحرب الجارية.

تقدم الورقة قراءة تحليلية معمّقة لتأثيرات هذه الحرب على الأمان الرقمي، وما يترتب عليها من نتائج سلبية على مختلف الأصعدة، مع التركيز على تصاعد التهديدات الرقمية التي تواجه الفلسطينيين، واستخدام التكنولوجيا الحديثة كأداة في خدمة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

تأثير الحرب الرقمية على الفضاءات الآمنة

تناولت الورقة الصادرة عن المركز مفهوم الفضاءات الرقمية الآمنة، مشيرة إلى أنها تتحقق عندما يتمكن أفراد الفئات المهمشة من التعبير عن آرائهم، ومواجهة الخطاب المجتمعي السائد دون الخوف من العواقب. ومع ذلك، تُعدّ الفضاءات الرقمية أقل أمانًا مقارنة بالفضاءات الواقعية، إذ إن الحدود الفاصلة بين المساحات الآمنة وغير الآمنة في العالم الرقمي أكثر مرونة وتغيرًا وأسهل اختراقًا، مما يجعلها عرضة لإعادة التشكيل بشكل مستمر.

ورغم أن جزءًا كبيرًا من الشباب الفلسطيني لم يرَ في العالم الرقمي فضاءً آمنًا قبل الحرب، تؤكد الورقة أن هذا الفضاء لم يكن يومًا آمنًا لهم. إلا أن الحرب الإسرائيلية التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، شكلت منعطفًا حاسمًا، تلاشت فيه الحدود بين العالمين الرقمي والواقعي، وبين الفضاءات الآمنة وغير الآمنة، مما أدى إلى تقويض شبه كامل لشعور الأمان لدى الفلسطينيين.

إسرائيل، بدورها، حوّلت المنصات الرقمية إلى أدوات قمعية، مُستخدمةً إياها ضد الفلسطينيين، ما أسهم في تدمير الفواصل التي كانت تحدد الفضاءات الآمنة وغير الآمنة، وجعل الشباب الفلسطيني يعيشون حالة من عدم اليقين والضبابية بشأن مستقبلهم، إذ وصلت الانتهاكات إلى مستويات غير مسبوقة في العالمين الواقعي والرقمي. ومع تصاعد التهديدات الرقمية، تحولت هذه الفضاءات إلى جزء من حرب شاملة تهدف إلى تدمير البنية النفسية والاجتماعية للفلسطينيين.

تأثير الانتهاكات الرقمية على الأمان الجسدي

أفادت الورقة بأن الاحتلال الإسرائيلي يوظف تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة محورية في الحرب على غزة، مما أدى إلى تصاعد الدمار والخسائر البشرية. وتُظهر الورقة أن هذه التقنيات لا تُستخدم في تعزيز عمليات القتل الجماعي  فقط، بل أيضًا في تقليص فرص الفلسطينيين في النجاة. بالإضافة إلى ذلك، تسهم المنصات الرقمية في نشر إعلانات ممولة تدعم الحرب، كما تُفاقم من انتشار خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين، وهو ما يؤدي إلى تصاعد العنف الرقمي الذي بدوره يُغذي العنف الواقعي، مما يخلق بيئة ملائمة لارتكاب جرائم حرب.

استهدفت إسرائيل بشكل منهجي البنية التحتية للاتصالات في قطاع غزة، مما أدى إلى انقطاع خدمات الاتصالات عشر مرات على الأقل، وخروج 75 في المئة من أبراج الاتصالات عن الخدمة حتى منتصف إبريل 2024. هذا الاستهداف تسبب في تراجع كبير بنسبة 91 في المئة في نشاط قطاع المعلومات والاتصالات، وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

ويؤكد التقرير أن انقطاع الاتصال الرقمي يعوق الفلسطينيين عن التواصل مع العالم الخارجي ويزيد من انتشار المعلومات المضللة. كما يعطل قدرتهم على طلب المساعدة أو الوصول إلى معلومات حيوية حول سبل النجاة خلال القصف. وتُعدّ هذه الانتهاكات تهديدًا مباشرًا لحياة الفلسطينيين، إذ إن الاتصال الرقمي بات يشكل خطًا فاصلًا بين الحياة والموت في الأزمات.

الرقابة الرقمية والابتزاز: تداعيات نفسية على الفلسطينيين خلال الحرب على غزة

وأما الأمان النفسي، فقد شهد تدهورًا كبيرًا نتيجة الحرب، إذ كثفت السلطات الإسرائيلية من رقابتها الشاملة على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967، إلى جانب تطوع الجمهور الإسرائيلي في مراقبة المحتوى الفلسطيني الرقمي. 

تُعد هذه الرقابة إحدى أدوات العنف المتأصلة في الجيش الإسرائيلي، إذ تتيح له التحكم في خصوصيات الأفراد، وحركاتهم، واتصالاتهم. وأسهمت هذه الممارسات في تحويل الفضاء الرقمي إلى ساحة خاضعة للرقابة والانضباط، مما عمّق من علاقات القوة القمعية القائمة.

ومن الأمثلة البارزة على التأثير النفسي المدمر، انقطاع التواصل بين أهالي غزة بسبب تدمير البنية التحتية للاتصالات، مما زاد من مشاعر القلق والخوف بشأن مصائر أفراد الأسرة. كما استخدم الجيش الإسرائيلي أساليب نفسية، مثل الاتصالات المجهولة والرسائل التهديدية، لنشر الشائعات والذعر، بهدف تقويض الأمان النفسي للفلسطينيين وإضعاف عزيمتهم.

وفي سياق الحرب النفسية، تلجأ السلطات الإسرائيلية إلى استخدام صور ومعلومات تم جمعها بطرق غير قانونية لتهديد وابتزاز الفلسطينيين. ويُفيد مركز حملة بأن الانتهاكات المتكررة للخصوصية والابتزاز النفسي قد غيّرت مفهوم الحرب، إذ أصبحت الفضاءات الرقمية ساحة للتهديد النفسي والتلاعب بمصائر الأفراد، واستخدام هذه المعلومات كأوراق ضغط ضدهم.

تحديات الأمان المعرفي للفلسطينيين في الفضاء الرقمي

من بين أبرز التحديات التي يواجهها الفلسطينيون هو تقييد وصولهم إلى المعلومات الحقيقية، في مقابل تعزيز الرواية الإسرائيلية عبر المنصات الرقمية، إذ أصبحت هذه المنصات أداة فعالة لنشر البروباغندا الإسرائيلية، مما أدى إلى تشويه الحقائق والمعلومات المتعلقة بالقضية الفلسطينية. كما أن تقييد الوصول إلى المحتوى الفلسطيني يزيد من حالة الفوضى والضياع المعرفي، مما يعزز من مشاعر التوتر والقلق بين الفلسطينيين، ويدفعهم إلى بذل جهود مستمرة للدفاع عن روايتهم الحقيقية بكل السبل الممكنة، وفقًا لتحليل مركز حملة.

ومن الأمثلة الواضحة على هذا التحدي، ما حدث عندما شككت الولايات المتحدة في أعداد الضحايا في قطاع غزة، على الرغم من أن الفلسطينيين كانوا يشاركون محتويات توثق انتشال الجثث من تحت الأنقاض، واستجابةً لهذا التشكيك، أصدرت وزارة الصحة في غزة وثيقة مكونة من 212 صفحة، تضم أسماء وأرقام بطاقات هوية الضحايا الذين قضوا نتيجة العدوان الإسرائيلي على القطاع، لتأكيد الحقيقة، وتعكس هذه الواقعة تراجع دور الحقيقة على منصات التواصل الاجتماعي، إذ يتم تحديد صحتها بناءً على مدى اتساقها مع معتقدات الفاعلين الاجتماعيين.

تهديد الهوية اللغوية الفلسطينية في المنصات الرقمية

تشكّل الحرب الدلالية التي تشنها المنصات الرقمية على المصطلحات الفلسطينية، جزءًا من هجوم شامل على الهوية اللغوية. فقد تم تجريم العديد من الكلمات والعبارات التي يستخدمها الفلسطينيون للدفاع عن حقوقهم، بحجة "خطاب الكراهية" أو "معاداة السامية".

ووفقًا لتحليل مركز حملة، أدى هذا الهجوم على اللغة إلى تقويض حرية التعبير بشكل كبير، مما أسهم في تصاعد مشاعر العزلة والخوف بين الشباب الفلسطيني، الذين أصبحوا يجدون صعوبة في التواصل بشكل آمن عبر المنصات الرقمية.

الأمان الجماعي وتفكيك الروابط الاجتماعية

لا تقتصر الانتهاكات الرقمية على استهداف الأفراد فقط، بل تمتد لتطاول المجتمعات بأكملها، وتهدف الحرب الرقمية التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين إلى تفكيك الروابط الاجتماعية وتدمير النسيج المجتمعي. كما تزيد القيود التي تفرضها المنصات على المحتوى الفلسطيني من حدة العزلة، وتحدّ من قدرة الفلسطينيين على التجمع أو التنظيم الجماعي، ونتيجة لذلك، تزايدت مشاعر الوحدة والعجز، إذ بات الفلسطينيون يجدون صعوبة في التعبير عن آرائهم أو الاتحاد حول قضية مشتركة، خوفًا من الملاحقة أو القمع الرقمي.

الأمان الاقتصادي وتأثير الحرب الرقمية

وفقًا لورقة الموقف الصادرة عن مركز حملة، لم تقتصر الهجمات على البنى التحتية للاتصالات والانتهاكات الرقمية على التأثير النفسي والاجتماعي، بل امتدت لتشمل الأمان الاقتصادي بشكل مباشر.

أسفرت هذه الحرب الرقمية عن تقويض الاقتصاد الفلسطيني الرقمي، مما أدى إلى تفاقم معدلات الفقر والبطالة، وفي ظل هذه الظروف، أصبحت فرص العمل والاندماج في الاقتصاد الرقمي شبه معدومة، إذ يواجه الفلسطينيون تمييزًا صارخًا على المنصات الرقمية، التي تفرض قيودًا مشددة على وصولهم إلى التمويل والدعم الجماعي، مما يحد من قدرتهم على الاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة عبر الإنترنت.

الأمان القانوني واستغلال القوانين الطارئة

ركزت الورقة على جانب الأمان القانوني أيضًا، مشيرة إلى أن سن القوانين الطارئة في إسرائيل أدى إلى توسيع نطاق الملاحقات الرقمية ضد الفلسطينيين، وأتاحت هذه القوانين للسلطات الإسرائيلية استغلال الفضاء الرقمي لملاحقة الأفراد بناءً على تفاعلاتهم الإلكترونية، ووفقًا للتقارير، تم اعتقال أو ملاحقة مئات الفلسطينيين بسبب تعبيرهم عن آرائهم عبر المنصات الرقمية، إذ أصبحت هذه القوانين أداة فعالة لقمع الفلسطينيين والسيطرة عليهم، مع محاسبتهم بناءً على النية المفترضة.

وفي السياق، أشار تقرير سابق لمسبار إلى الاستهداف الإسرائيلي لفلسطينيي الداخل (فلسطينيي 48)، إذ تم اعتقال العشرات منهم بتهم مضللة، نتيجة نشرهم لمنشورات تضامنية مع قطاع غزة، أو تفاعلهم مع منشورات تتعلق بالحرب الإسرائيلية الجارية على القطاع.

تقرير سابق لمسبار حول استهداف الفلسطينيين بتهم مضللة خلال الحرب
تقرير سابق لمسبار حول استهداف الفلسطينيين بتهم مضللة خلال الحرب

اختتمت الورقة بتوصيات تؤكد على أهمية تعزيز الأمان الرقمي للفلسطينيين، من خلال التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني والحقوقية، إلى جانب ضرورة إجراء دراسات نقدية لتقييم مخاطر الانتهاكات الرقمية، وتعزيز الحصانة الشعبية لمواجهة هذه التهديدات. 

كما دعت التوصيات إلى تطوير سياسات حوكمة داخلية للشركات الرقمية، وتضمين مساقات أخلاقيات الهندسة في المناهج التعليمية، لضمان استخدام التكنولوجيا بشكل أخلاقي ومسؤول.

وأكدت الورقة أيضًا، على ضرورة إنشاء سلطة قانونية دولية لمحاسبة المنصات الرقمية التي تنتهك حقوق الفلسطينيين، إذ يتطلب تعزيز الأمان الرقمي للفلسطينيين في أوقات الأزمات دعمًا متعدد المستويات، سواء من المؤسسات الحقوقية أو الفاعلين في مجال التكنولوجيا.

جانب من توصيات مركز حملة في ختام ورقة الموقف المتعلقة بتبعات الحرب على الأمان الرقمي الفلسطيني
جانب من توصيات مركز حملة في ختام ورقة الموقف المتعلقة بتبعات الحرب على الأمان الرقمي الفلسطيني

اقرأ/ي أيضًا

إسرائيل تنتهك الحقوق الرقمية الفلسطينية تزامنًا مع حربها على غزة

معارك الأمن السيبراني والتجسس: كيف تحاصر إسرائيل النشطاء الفلسطينيين؟

الأكثر قراءة