` `

دراسة: التركيز على تأثير الذكاء الاصطناعي على انتخابات 2024 تسبّب بإهمال عوامل أخطر

محمود سمير حسنين محمود سمير حسنين
تكنولوجيا
5 سبتمبر 2024
دراسة: التركيز على تأثير الذكاء الاصطناعي على انتخابات 2024 تسبّب بإهمال عوامل أخطر
أثرت بعض وسائل وأدوات الذكاء الاصطناعي على سير عمليات انتخابية عديدة

عام 2024، ستُتاح الفرصة لنحو نصف سكان العالم للمشاركة في الانتخابات. ووفقًا لعدد كبير من الخبراء والمؤسسات والأكاديميين والمنصات الإخبارية، فهناك تهديد جديد متفاقم الأثر على نزاهة هذه الانتخابات، وهو الذكاء الاصطناعي.

 وقد حذرت التوقعات المبكرة من أن عالمًا جديدًا مدعومًا بالذكاء الاصطناعي، يدفعنا نحو "كارثة مدعومة بالتكنولوجيا" قد تفسد الانتخابات. ومنذ بداية عام 2024 الجاري، وما قبله، نُشرت العديد من الدراسات التي تحذر من مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وغيرها حول العالم. 

وبالفعل أثرت بعض وسائل وأدوات الذكاء الاصطناعي على سير عمليات انتخابية عديدة. لكن تقريرً جديدًا نُشر في مجلة جامعة إم آي تي الأميركية، يوم الثالث من سبتمبر/أيلول العام الجاري، يجادل أنّ العالم قد تغاضى عن إشكاليات قد تؤثر على العملية الديمقراطية في الانتخابات، أكثر من مؤثرات الذكاء الاصطناعي. 

هل يستطيع التضلل المولَّد بالذكاء الاصطناعي تغيير مسار العمليات الانتخابية؟

يحاجج العاملون على التقرير أنّ الإنترنت مليء بالقصص المتشائمة حول فكرة أنّ التزييف العميق الناتج عن الذكاء الاصطناعي، سوف يضلل الناخبين ويؤثر عليهم، فضلًا عن تمكين الذكاء الاصطناعي لأشكال جديدة من الإعلانات السياسية الشخصية والتي تستهدف فئات معينة من الناخبين.

وعلى الرغم من أنّ مثل هذه الادعاءات مثيرة للقلق، إلا أن التقرير يشير إلى أهمية إعادة النظر في الأدلة المتوافرة. فمع انتهاء عدد كبير من انتخابات هذا العام، يحين الوقت للتساؤل عن مدى دقة هذه التقييمات والتوقعات حتى الآن. تشير نتائج البحث إلى أنّ الادعاءات المبكرة المثيرة للقلق حول الذكاء الاصطناعي والانتخابات تم تضخيمها بشكل مبالغ فيه.

هل يستطيع التضلل المولَّد بالذكاء الاصطناعي تغيير مسار العمليات الانتخابية؟

وحسب الكثير من الدراسات التي نُشرت في الآونة الأخيرة، فالذكاء الاصطناعي يستخدم في محاولات للتأثير على العمليات الانتخابية، لكن هذه الجهود لم تكن مثمرة، كما زُعم. فعلى سبيل المثال، أقرّ أحدث تقرير للتهديدات المعادية لشركة ميتا، أنّ الانتخابات الأميركية استُخدم فيها الذكاء الاصطناعي من قبل دول مثل روسيا، ولكن "الأدوات التي تعمل بنظام GenAI لا تؤثر إلا على إنتاجية المحتوى"، ولذلك لا تعدّ تلك التأثيرات ذات فاعلية واسعة التطاق. وهذا ما تؤكده تعليقات رئيس الشؤون العالمية لشركة ميتا، نيك كليج، الذي صرّح في وقت سابق من هذا العام بأنه "من المدهش مدى ضآلة استخدام هذه الأدوات على أساس منهجي لمحاولة تقويض الانتخابات وتعطيلها حقًا".

صورة متعلقة توضيحية

ويضيف التقرير أنه بعيدًا عن هيمنة الكوارث التي يمكن للذكاء الاصطناعي إتاحتها، كان هذا "العام للانتخابات يشبه إلى حد كبير أي عام انتخابي آخر".

في حين أنّ لدى ميتا مصلحة راسخة في تقليل التأثير المزعوم للذكاء الاصطناعي على الانتخابات، إلا أنها ليست وحدها الفاعلة في هذا السياق، إذ أفاد معهد آلان تورينج في المملكة المتحدة بنتائج مماثلة في مايو/أيار الفائت، إذ درس الباحثون هناك أكثر من 100 مثال على الانتخابات الوطنية التي أجريت منذ عام 2023، ووجدوا أنّ "19 حالة انتخابية فقط تم تحديدها فيها تدخل الذكاء الاصطناعي". وعلاوة على ذلك، لم تُظهر الأدلة أي “علامات واضحة على تغييرات كبيرة في نتائج الانتخابات مقارنة بالأداء المتوقع للمرشحين السياسيين من بيانات استطلاعات الرأي".

تقرير لمعهد آلان تورينج البريطاني عن مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على الانتخابات في بريطانيا

ويقدم التقرير تساؤلًا، وهو لماذا كانت هذه التكهنات الأولية حول التدخل الانتخابي المدعوم بالذكاء الاصطناعي بعيدة كل البعد عن الواقع، وماذا تخبرنا عن مستقبل ديمقراطياتنا؟ ويردّ بأنّ الإجابة المختصرة، بسبب تجاهل عقود من البحث حول التأثير المحدود لحملات "الإقناع الجماعي"، والمحددات المعقدة لسلوكيات التصويت، والدور السببي غير المباشر والبشري للتكنولوجيا. 

شات جي بي تي يغلق حسابات يزعم أنها إيرانية وتستخدم البرنامج للتأثير على الانتخابات الأميركية

صعوبة تأثير الذكاء الاصطناعي على الكتل الانتخابية حول العالم 

يفرد التقرير أربع نقاط تجعل من الصعب اعتبار الذكاء الاصطناعي كأهم المؤثرات على العمليات الانتخابية حول العالم، وخاصة هذا العام.

أولًا، يعد الإقناع الجماعي تحديًا صعبًا إلى حد ما. ففي حين أنه من الممكن أن تسهل أدوات الذكاء الاصطناعي عملية الإقناع، لكن العوامل الأخرى تعد حاسمة، فعند تقديم معلومات جديدة، يقوم الناس عمومًا بتحديث معتقداتهم وفقًا لذلك، ولكن حتى في أفضل الظروف، غالبًا ما يكون هذا التحديث ضئيلًا، ونادرًا ما يترجم إلى تغيير سلوكي. ورغم أنّ الأحزاب السياسية وغيرها من الجماعات تستثمر مبالغ هائلة للتأثير على الناخبين، فإنّ الأدلة تشير إلى أنّ معظم أشكال الإقناع السياسي لها تأثيرات ضئيلة للغاية في معظم الأحيان. وفي أغلب الأحداث ذات المخاطر العالية، مثل الانتخابات الوطنية، تلعب عوامل متعددة دورًا في تقليص تأثير أي محاولة إقناع واحدة.

  دراسة عن تأثير الإعلانات الموجهة على الكتل الانتخابية وقراراتهم بشكل عام
دراسة علمية تقر بتأثير الإعلانات الانتخابية بمقدار قليل

ثانيًا، لكي يكون المحتوى مؤثرًا، يجب أن يصل أولًا إلى جمهوره المستهدف، ولكن اليوم، يُنشر كم هائل من مختلف أنواع المعلومات وأشكالها يوميًا من قبل الأفراد والحملات السياسية والمؤسسات الإخبارية وغيرها. وبالتالي، يواجه المحتوى الذي يولده الذكاء الاصطناعي، مثل أي محتوى آخر، تحديات كبيرة في اختراق الشبكات المعقدة من المعلومات على الإنترنت، ليصل إلى جمهوره المستهدف. 

دراسة حديثة عن تأثير المعلومات المضللة على قارات الناخبين

وكما زعم بعض الاستراتيجيين السياسيين في الولايات المتحدة، في أنّ الإفراط في استخدام المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي قد يجعل الناس يتوقفون عن "الاستماع"، مما يقلل من وصول المحتوى المتلاعب بالذكاء الاصطناعي. وحتى إذا وصل محتوى من هذا القبيل إلى عدد كبير من الناخبين المحتملين، فمن المحتمل ألا ينجح في التأثير على عدد كافٍ منهم لتغيير نتائج الانتخابات، حسب دراسة نشرت في السادس من يونيو/حزيران عام 2024، على الموقع التابع لمركز الإعلام بجامعة تكساس بولاية أوستن الأميركية. وتشرح الدراسة كيفية استخدام الفاعلين السياسيين للذكاء الاصطناعي في الانتخابات الأميركية القادمة وتأثيرها على الناخبين وقراراتهم. 

دراسة عن تأثير الذكاء الاصطناعي على انتخابات عام 2024

ثالثًا، تتحدى الأبحاث الناشئة فكرة أنّ استخدام الذكاء الاصطناعي لاستهداف الناس بشكل دقيق والتأثير على سلوكهم الانتخابي يعمل بشكل جيد. إذ تشير الدراسات إلى أنّ الناخبين يبغضون الرسائل المصممة بشكل مفرط، إذ إن "التأثيرات الإقناعية" للذكاء الاصطناعي مبالغ فيها إلى حد كبير، على الأقل في الوقت الحالي. 

تتحدى الدراسات الجديدة فكرة التأثير العميق للذكاء الاصطناعي على الانتخابات ونتائجها

ومن المرجح أن يظل الحال كما هو عليه، لأنّ الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي التي تتزايد ضخامة لا تترجم تلقائيًا إلى عمليات إقناع أفضل. ويبدو أنّ الحملات السياسية أدركت هذا أيضًا، إذ إن العاملين المختصين في الحملات السياسية والرئاسية، يعترفون بسهولة بأنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي، ولكن بشكل أساسي لتحسين المهام "العادية" مثل جمع التبرعات، وجهود حث الناخبين على التصويت، وعمليات الحملة بشكل عام، وليس في توليد محتوى جديد مصمم خصيصًا بواسطة الذكاء الاصطناعي.

دراسات عن التأثير الفعلي للتزييف العميق على عملية الانتخابات الأميركية لعام 2024

رابعًا، يتشكل سلوك تصويت الناخبين من خلال مجموعة معقدة من العوامل. تشمل هذه العوامل الجنس والعمر والطبقة والقيم والهويات والتنشئة الاجتماعية. وغالبًا ما تلعب المعلومات، بغض النظر عن صدقها أو أصلها، سواء كانت من صنع الذكاء الاصطناعي أو الإنسان، دورًا ثانويًا في هذه العملية، وذلك لأنّ استهلاك المعلومات وقبولها يعتمد على عوامل موجودة مسبقًا، مثل ما إذا كانت تتوافق مع الميول السياسية أو القيم التي يتبناها الشخص، وليس ما إذا كان هذا المحتوى قد تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.

ووفقًا للتقرير، فإن المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي والديمقراطية، وخاصة الانتخابات، مبررة، وذلك لأنّ استخدام الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يؤدي إلى إدامة وتضخيم التفاوتات الاجتماعية القائمة أو الحد من تنوع وجهات النظر التي يتعرض لها الأفراد. بالإضافة إلى أنّ التحكم بالسياسيات وإساءة معاملتها بمساعدة الذكاء الاصطناعي أمر مؤسف. والتصور، الذي تساهم التغطية الإعلامية جزئيًا في خلقه، بأن الذكاء الاصطناعي له تأثيرات كبيرة قد يكون في حد ذاته كافيًا لتقليص الثقة في العمليات الديمقراطية ومصادر المعلومات الموثوقة، وإضعاف قبول نتائج الانتخابات، ولا شيء من هذا مفيد بأي شكل للديمقراطية والانتخابات.

صورة متعلقة توضيحية

ومع ذلك، لا ينبغي لهذه النقاط أن تؤدي إلى إغفال التهديدات التي تتعرض لها الديمقراطية والانتخابات والتي لا علاقة لها بالتكنولوجيا، مثل حرمان الناخبين من حقهم في التصويت؛ وترهيب مسؤولي الانتخابات والمرشحين والناخبين؛ والهجمات على الصحفيين والسياسيين، وتفريغ الضوابط والتوازنات، والسياسيون الذين يروجون للأكاذيب، وأشكال مختلفة من القمع الحكومي (بما في ذلك القيود المفروضة على حرية التعبير وحرية الصحافة والحق في الاحتجاج).

فمن بين 73 دولة على الأقل تجري فيها انتخابات هذا العام، صنفت 47 دولة فقط على أنها ديمقراطيات كاملة وفقًا لمؤشر الديمقراطية الصادر عن منظمة "Our World in Data/Economist"، بينما تُصنف بقية الدول على أنها أنظمة هجينة أو استبدادية. 

مؤشر الديمقراطية الصادر عن منظمة "Our World in Data/Economist 2024

تركيز السياسيين على تأثير الذكاء الاصطناعي على الانتخابات

ومع ذلك، غالبًا ما تصبح التكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، كبش فداء مناسبًا، إذ يتم اختياره من قبل السياسيين والمثقفين العموميين باعتباره واحدًا من الأمراض الرئيسية التي تصيب الحياة الديمقراطية. 

في وقت سابق من هذا العام، حذرت الرئيسة السويسرية فيولا أمهرد في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، من أنّ "التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي يسمح للمعلومات المضللة أن تبدو أكثر صدقية". كما حذر البابا فرانسيس من أنّه يمكن إضفاء شرعية على الأخبار المزيفة من خلال الذكاء الاصطناعي. وقالت نائبة المدعي العام الأميركية ليزا موناكو إنّ الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز التضليل ويحرّض على العنف في الانتخابات. 

وفي أغسطس/آب الفائت، دعا عمدة لندن صادق خان إلى مراجعة قانون السلامة على الإنترنت في المملكة المتحدة بعد أعمال الشغب اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء البلاد، بحجة أنّ "الطريقة التي تعمل بها الخوارزميات، والطريقة التي يمكن بها نشر المعلومات المضللة بسرعة كبيرة، كل هذا يدعو للقلق، لقد رأينا نتيجة مباشرة لهذا".

إن الدوافع وراء إلقاء اللوم على التكنولوجيا كثيرة، وليست بالضرورة غير عقلانية. فبالنسبة لبعض الساسة، قد يكون توجيه أصابع الاتهام إلى الذكاء الاصطناعي أسهل من مواجهة التدقيق أو الالتزام بتحسين المؤسسات الديمقراطية التي قد تحاسبهم. وبالنسبة لآخرين، قد تبدو محاولة "إصلاح التكنولوجيا" أكثر جاذبية من معالجة بعض القضايا الأساسية التي تهدد الحياة الديمقراطية.

ومع ذلك، الأجدر التركيز على أنّ المبالغة في رد الفعل على أساس افتراضات لا أساس لها من الصحة لهه ثمن، وخاصة عندما تظل قضايا حرجة أخرى دون معالجة. 

صورة متعلقة توضيحية

إن الروايات المبالغ فيها عن التأثيرات المفترضة للذكاء الاصطناعي على الديمقراطية تخاطر بتأجيج انعدام الثقة وزرع الارتباك بين عامة الناس، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى تآكل مستويات الثقة المنخفضة بالأساس في الأخبار والمؤسسات الموثوقة في العديد من البلدان.

صورة متعلقة توضيحية

 لا شك بأن الديمقراطية في العصر الحالي مهددة، ولكن الهوس بالتأثير المفترض للذكاء الاصطناعي من غير المرجح أن يجعل الأمور أفضل، بل قد يجعلها أسوأ عندما يقودنا إلى التركيز فقط على الشيء الجديد اللامع ويصرف انتباهنا عن المشاكل الأكثر ديمومة التي تعرض الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم للخطر.

صورة متعلقة توضيحية

اقرأ/ي أيضًا

أوجه التحيز في تقرير بي بي سي عن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لمنع التحريض على الإبادة

تقارير تفيد بتزايد المعلومات المضللة حول المهاجرين عقب عملية الطعن في زولينغن الألمانية

الأكثر قراءة