` `

ما قانونية سحب صلاحيات المحكمة الإدارية لصالح الاستئناف قبيل أيام من الانتخابات الرئاسية في تونس؟

وحيدة قادر وحيدة قادر
سياسة
24 سبتمبر 2024
ما قانونية سحب صلاحيات المحكمة الإدارية لصالح الاستئناف قبيل أيام من الانتخابات الرئاسية في تونس؟
جدل حول تعديل الصلاحيات قبيل الانتخابات الرئاسية الوشيكة في تونس

شهدت الساحة السياسية في تونس جدلًا واسعًا، بعد إعلان مكتب البرلمان عن تلقيه مقترح قانون أساسي، تقدم به 34 نائبًا، يقضي بتنقيح بعض أحكام القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء لعام 2014، والذي يمنح في فصله 46 المعدل، حق الطعن في قرارات هيئة الانتخابات من قبل المترشحين للانتخابات الرئاسية، إلى محكمة الاستئناف عوض المحكمة الإدارية. 

يأتي هذا المقترح قبل أقل من شهر، على إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مما أثار تساؤلات حول قانونيته وتأثيره المحتمل على نزاهة العملية الانتخابية واستقلالية القضاء.

مقترح قانون 2024 لتعديل القانون الانتخابي يشمل تعديل الفصل 46 للطعن أمام محكمة الاستئناف
مقترح قانون لتعديل القانون الانتخابي يشمل تعديل الفصل 46 للطعن أمام محكمة الاستئناف عوض المحكمة الإدارية

هل يمكن منح صلاحيات المحكمة الإدارية إلى محكمة الاستئناف؟

أفاد أستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ، بأن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تخضع لرقابة المحكمة الإدارية. وأضاف في تصريح لـ"مسبار" أنه إذا تم نقل هذه السلطة إلى القضاء العدلي (محكمة الاستئناف)، فإن ذلك يُعد، على حد قوله، اعتداءً على نزاهة وقانونية العملية الانتخابية.

ويرى محفوظ أن هذه المبادرة تتعارض مع الدستور، موضحًا أن المحكمة الإدارية هي صاحبة الاختصاص الأصيل في الرقابة على شرعية القرارات الإدارية. وأضاف أن "المحكمة الإدارية تتمتع بخبرة طويلة في النزاعات الانتخابية، وقد اعتادت الدولة على احترام قراراتها في جميع المحطات الانتخابية، مما يجعل من غير الممكن نزع صلاحياتها لصالح محكمة الاستئناف".

وفي السياق ذاته، وصف القاضي الإداري السابق، أحمد صواب، خطوة سحب سلطة المحكمة الإدارية على الانتخابات لصالح محكمة الاستئناف، خلال الحملة الانتخابية، بأنها "فضيحة دولة" و"اعتداء جسيم" على المحكمة الإدارية وقضاتها وتاريخها، مشيرًا إلى أنه لا يمكن لأي جهة إخضاع المحكمة الإدارية.

صلاحيات المحكمة الإدارية

المحكمة الإدارية هي مؤسسة دستورية قضائية أُنشئت بموجب الفصل 69 من دستور تونس لعام 1959، الذي نص على أن مجلس الدولة يتكون من المحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات.

تختص المحكمة الإدارية بالنظر في النزاعات الانتخابية بكافة أنواعها، وذلك وفقًا لأحكام القانون الأساسي رقم 16 لسنة 2014، المؤرخ في 26 مايو/أيار 2014، والمتعلق بالانتخابات والاستفتاء. كما تختص بنزاعات المجلس الأعلى للقضاء بموجب أحكام القانون الأساسي رقم 34 لعام 2016، المؤرخ في 28 إبريل/نيسان 2016، والمتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء.

إلى جانب ذلك، تتمتع المحكمة الإدارية بصلاحيات استشارية، حيث ينص الفصل 4 من القانون الأساسي رقم 40 لسنة 1972، المؤرخ في الأول من يونيو/حزيران 1972، على استشارة المحكمة الإدارية وجوبًا بشأن مشاريع الأوامر ذات الصبغة الترتيبية. كما يجوز استشارتها بشأن مشاريع النصوص الأخرى، وبوجه عام حول كافة المواضيع التي تتطلب ذلك وفقًا للأحكام التشريعية أو الترتيبية. وتُحال نصوص الاستشارات المتعلقة بمشاريع القوانين أو المراسيم إلى مجلس النواب لإبداء الرأي فيها.

المحكمة الإدارية التونسية وصلاحياتها
المحكمة الإدارية التونسية وصلاحياتها

هل يمكن تعديل القانون الانتخابي قبل أيام من موعد الانتخابات الرئاسية؟

فيما يتعلق بتوقيت طرح مبادرة تنقيح القانون الانتخابي، صرّح أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، في حديثه لمسبار، بأن تعديل القانون الانتخابي قبل الانتخابات غير ممكن من الناحية الأخلاقية والسياسية، وحتى القانونية. ووصف ذلك بأنه "ضرب لنزاهة الانتخابات، والثقة المشروعة، والأمن القانوني، ولتخصص قضاة المحكمة الإدارية.

وأضاف محفوظ “لا يمكن تغيير قواعد اللعبة الديمقراطية فجأة وقبل أيام معدودة من موعد الانتخابات الرئاسية، خاصة وأن القضاء الإداري قد حسم بالفعل الشوط الأول من النزاع الانتخابي”.

من جهته، أوضح القاضي الإداري السابق أحمد صواب، في تصريح لمسبار، أن رئيس الجمهورية قيس سعيد، وقبل انتخابه، صرّح بأن تعديل القانون الانتخابي قبل موعد الانتخابات أمر غير ممكن.

وكان الرئيس قيس سعيد قد أكد في مقابلة صحفية مطلع يوليو/تموز 2019، أنه لا يمكن تعديل القانون الانتخابي قبل أشهر قليلة من الانتخابات. وأشار سعيد في ذات المقابلة إلى أنه “لا يمكن للأغلبية الحاكمة تعديل القانون الانتخابي بناءً على حساباتها ومصالحها” واعتبر ذلك “اغتبالًا للديمقراطية”.

أحمد صواب: عدم تطبيق قرارات المحكمة الإدارية هو انحراف في استخدام السلطة

اتهمت النائبة سيرين مرابط، إحدى النواب الممضين على مقترح القانون، المحكمة الإدارية بالتسيس، وقالت إنّ الهدف من المقترح هو تجنيب تونس سيناريو ما يحدث في بلدان يتم فيها تنازع الشرعية على غرار السودان.

وصرّح النائب بالبرلمان عن جهة المبادرة، يوسف طرشون، خلال مداخلته على إذاعة "ديوان أف أم" (محلية)، يوم أمس الإثنين 23 سبتمبر/أيلول، أن مجلس نواب الشعب يتابع الجدل القائم بين المحكمة الإدارية والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بعد قبول المحكمة الطعون المقدمة من المرشحين للرئاسة، والتي تم إسقاطها من قبل الهيئة.

وأشار طرشون إلى أن هذا التصعيد والتجاذبات قد تكون لها تداعيات خطيرة. وأضاف "نحن نعتبر أن مثل هذه التدخلات قد تؤدي إلى انقسام في صفوف الشعب التونسي، ولذلك قمنا بحسم المسألة وقررنا سحب صلاحيات المحكمة الإدارية المتعلقة بالانتخابات لصالح محكمة الاستئناف.

صورة متعلقة توضيحية
تصريحات النائب يوسف طرشون حول مقترح تعديل القانون الانتخابي ومتابعة المجلس للجدل

وفي تعليقه على حديث النائب يوسف طرشون، قال القاضي الإداري السابق أحمد صواب، إنّ هذه التصريحات تمثل انحرافًا في استخدام السلطة والإجراءات.

ونفى صواب، في تصريح لمسبار، ما أُثير من قبل بعض النواب الذين تقدموا بمبادرة لتنقيح القانون الانتخابي، والتي زعمت أن المحكمة الإدارية متورطة في قضايا سياسية، مؤكدًا أن المحكمة معروفة بحيادها واستقلاليتها في جميع المحطات الانتخابية.

وأرجع صواب الاتهامات الموجهة إلى المحكمة الإدارية إلى الخلاف القائم مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بعد رفض الهيئة لقرار المحكمة القاضي بإعادة ثلاثة مرشحين للانتخابات الرئاسية.

منظمات تحذر من تنقيح القانون الانتخابي

حذرت جمعية القضاة التونسيين من خطورة سحب سلطة المحكمة الإدارية في البت في النزاعات الانتخابية.

واعتبرت الجمعية، في بيان أصدرته، أن تعديل القانون الانتخابي يمثل محاولة لتوريط مؤسسات القضاء العدلي في مهام خارج نطاق اختصاصها، ويُعدّ استهدافًا واضحًا ومقصودًا للمحكمة الإدارية.

وفي السياق، اعتبر المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل، وهو الهيئة القيادية للاتحاد التي تتولى تنفيذ سياساته وإدارة شؤونه، في بيان صدر يوم 22 سبتمبر الجاري، أن تحويل جهة الاختصاص من القضاء الإداري إلى القضاء العدلي غير مبرر، ويشكل تشكيكًا في نزاهة المحكمة الإدارية وحرفيتها.

ودعا المكتب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى الحرص على احترام القانون، وطالبها بالتدخل لمنع أي تعديل لا يراعي التوقيت والآجال القانونية.

كما أكد أن تعديل القانون الانتخابي يضاف إلى العديد من الإخلالات التي شابت هذه العملية الانتخابية، ما أدى إلى خلق مناخ مشحون وغير ملائم لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة وديمقراطية.

بيان المكتب التنفيذي الوطني الرافض لمشروع تعديل القانون الانتخابي
بيان المكتب التنفيذي الوطني الرافض لمشروع تعديل القانون الانتخابي

يُذكر أن مجلس نواب الشعب قد حدد يوم الجمعة المقبل، كموعد للمصادقة على مقترح القانون المتعلق بتنقيح القانون الانتخابي، في خطوة يرى متابعون أنّها حاسمة لتحديد مسار الانتخابات المقبلة وتأثيرها على المشهد السياسي عمومًا في تونس.

اقرأ/ي أيضًا

ادعاءات مضلّلة ترافق المسار الانتخابي في تونس

واقع مكافحة الأخبار الزائفة في تونس قبل الانتخابات الرئاسية

الأكثر قراءة