` `

ما دور نقص المعلومات الموثوقة حول حدث معين في انتشار أخبار مضللة عنه؟

فاطمة عمراني فاطمة عمراني
علوم
18 سبتمبر 2024
ما دور نقص المعلومات الموثوقة حول حدث معين في انتشار أخبار مضللة عنه؟
نقص المصادر الموثوقة عامل قوي في انتشار التضليل

تتصدر الأخبار الكاذبة عناوين الصحف، تحرك الشارع، وتؤثّر على مجرى الأحداث السياسية. لكن، هل هي فعلًا العامل الرئيسي وراء الانقسامات المجتمعية والاضطرابات السياسية؟ أم أن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا أكبر؟ دراسة حديثة تشير إلى أن المشكلة قد تكون أعمق من ذلك بكثير.

تكشف الدراسة التي أعدّها أندريا برات من كلية كولومبيا للأعمال، وتشارلز أنجيلوتشي من كلية سلون لإدارة الأعمال في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عن وجهة نظر مختلفة. تشير الدراسة إلى أنّ الخطر الأكبر لا يكمن في انتشار الأخبار الكاذبة بحد ذاتها، بقدر ما يكمن في نقص الوصول إلى مصادر إخبارية موثوقة. في العديد من الحالات، يفتقر الأفراد إلى المعلومات الكافية حول القضايا المختلفة، مما يجعلهم عرضة للتأثر بأي نوع من المعلومات المتاحة، سواء كانت صحيحة أم خاطئة.

المشكلة في نقص المعلومات والوصول إليها

استندت الدراسة التي استمرت لمدة 11 شهرًا إلى تحليل شامل، إذ اعتمد الباحثان على منهجية تجريبية للتحقق من قدرة الأميركيين على التمييز بين الأخبار الحقيقية والمزيفة. شملت العينة 15 ألف مشارك تم اختيارهم من خلال شركة الاستطلاعات "YouGov".

أظهرت الدراسة نتائج مثيرة للاهتمام بشأن قدرة الأميركيين على تمييز الأخبار الحقيقية من المزيفة، إذ تمكن قرابة 47% من المشاركين من التمييز بثقة بين الأخبار الصحيحة والزائفة، في حين أن 3% فقط كانوا يميلون إلى اختيار الأخبار المزيفة، أما النسبة المتبقية فكانت غير متأكدة.

واحدة من أبرز نتائج هذه الدراسة هي الفجوة الكبيرة في الوصول إلى المعلومات بين مختلف شرائح المجتمع الأميركي. بعض الأفراد يتمتعون بالقدرة على الوصول إلى معلومات موثوقة وتقييمها بدقة، بينما يفتقر آخرون إلى هذه القدرة. وأوضحت مُعدّة الدراسة، أنّ هذه النتائج كانت مفاجئة، مشيرةً إلى أن المشكلة لا تكمن  في تصديق الأفراد للأخبار الكاذبة فقط، بل في عدم تمكنهم من الوصول إلى المعلومات الحقيقية. وأضافت: "يبدو أننا كنا نركز على الجانب الخاطئ من المشكلة. بدلًا من التركيز  على محاربة الأخبار الكاذبة فقط، ينبغي علينا أن نضمن وصول الجميع إلى المعلومات الصحيحة من مصادر موثوقة.

صورة متعلقة توضيحية
الباحثة برات: نقص المصادر الموثوقة هو المشكلة

يشير الافتقار إلى مصادر إخبارية موثوقة إلى حالة من "الجوع المعلوماتي"، إذ يصبح الأفراد في ظل هذا الجوع أكثر عرضة لتصديق الأخبار الكاذبة، حتى وإن كانت غير منطقية أو متناقضة مع معرفتهم السابقة. لذلك، قد يكون خطر نقص المعلومات الموثوقة أكبر من خطر انتشار الأخبار الكاذبة نفسها.

تفتح هذه الدراسة بابًا للتساؤلات حول إمكانية تطبيق نتائجها على السياق العربي. فعلى الرغم من أن الدراسة تشير إلى أن نقص المصادر الموثوقة يشكل التحدي الأكبر في المجتمع الأميركي، يبرز سؤال مشابه في العالم العربي: هل موثوقية المصادر تمثل التحدي نفسه؟ وهل العوامل المؤثرة في صدقية الإعلام تؤثر في تكوين الرأي العام في المجتمعات العربية؟ 

هل يثق الجمهور العربي بوسائل إعلامه؟

هناك قلة من الدراسات البحثية التي ناقشت موثوقية وسائل الإعلام العربية، ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، كتنوع السياقات العربية وغياب منهجية موحدة، إضافة إلى صعوبة الوصول إلى بيانات موثوقة، وسيطرة الأنظمة السياسية على الإعلام في العديد من الدول، والاستقطاب السياسي الحاد، كلها عوامل تعيق إجراء دراسات عميقة وشاملة. كما أن قلة التمويل المخصص لهذا النوع من الأبحاث، وتركيز الباحثين على جوانب أخرى من الإعلام، وتحديات اللغة والحواجز الثقافية التي تعيق نشر الأبحاث، تساهم بشكل كبير في هذا النقص.

ولعلّ أبرز أبحاث الإعلام والاتصال في هذا الصدد هي دراسة بحثية نشرتها جامعة نورثويسترن في قطر، كشفت عن اتجاهات وتفاعل المواطنين مع وسائل الإعلام في: قطر، الأردن، لبنان، تونس، مصر، السعودية، والإمارات خلال الفترة من 2013 إلى 2017.

وبينت الدراسة التي حملت عنوان: “استخدام وسائل الإعلام في الشرق الأوسط خلال خمس سنوات”، أن معظم مواطني دول الخليج يثقون في الأخبار التي توردها وسائل الإعلام في بلادهم، فيما يميل مواطنو البلدان الأخرى في الدراسة إلى العكس، وتصدرت قطر القائمة، إذ تبين أن 62 بالمائة من القطريين يثقون في وسائل إعلامهم، فيما جاءت الأردن أقل البلدان ثقة في إعلامها بنسبة 38 بالمائة في عام 2017 بعد أن كانت النسبة 66 بالمائة عام 2013. ورغم وجود نسبة معقولة من الثقة في الإعلام بين الأفراد، إلا أن مستوى الثقة انخفض بشكل عام في العديد من الدول مثل تونس (من 64 بالمائة إلى 56 بالمائة) وقطر (من 69 بالمائة إلى 64 بالمائة).

أيضًا لفتت الدراسة إلى زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية باعتبارها وسيلة لحرية التعبير وأداة للتعبير عن الذات وربطها بين الناس، فيما أشار إيفيرت دينيس، عميد جامعة نورثويسترن في قطر ورئيسها التنفيذي، إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف التأثير في الخطاب السياسي وحشد الجماهير، وصل إلى ذروته خلال الربيع العربي الذي يعد نقطة تحول في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة، فبعد الربيع العربي خفت حدة التغيرات وصارت أقل دراماتيكية، ولكنها تظل مهمة في ظل لجوء المواطنين لها لإبداء آرائهم حول مجموعة من القضايا والمشكلات.

فجوة الثقة بين الجمهور والإعلام تزداد

من الممكن أن تكون التحديات في المجتمعات العربية مختلفة، إذ تلعب عوامل مثل الرقابة، التأثير السياسي، والإعلام الموجه أدوارًا كبيرة في تحديد مدى ثقة الجمهور في وسائل الإعلام. كما أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي دون تنظيم كافٍ قد يزيد من تعقيد الوصول إلى المعلومات الموثوقة، مما يضعف قدرة الأفراد على التمييز بين الأخبار الحقيقية والزائفة.

تزداد الفجوة في الثقة بين الجمهور ووسائل الإعلام. تيني سيفاك، نائب الرئيس لشؤون الجمهور والبيانات في قناة CNN، أشارت إلى أن الأبحاث التي تُظهر تراجع ثقة الجمهور في الإعلام لا ترتكز فقط على نوعية الأخبار الصحافية المتداولة، بل على دور الإعلانات والبيانات التي تشكل جزءًا أساسيًا من بناء الثقة بين الجمهور والوسيلة الإعلامية. 

وفي حديثها على هامش فعاليات منتدى الإعلام العربي لعام 2019، أوضحت سيفاك أن الفجوة بين الجمهور والإعلام تتسع مع زيادة استهلاك وسائل الإعلام، وخاصة إذا نظرنا إلى الدراسات التي تشير إلى استخدام يتجاوز عشر ساعات يوميًا للإنترنت، خصوصًا في المنطقة العربية. هذا الاستخدام المفرط للهواتف الذكية وشبكة الإنترنت يرتبط بضعف الصحف وتراجع ثقة الجمهور في الأخبار التي تقدمها قنوات التلفزيون. كما أكدت سيفاك أن الأخبار العاجلة لم تعد حكرًا على القنوات الإخبارية، فالجمهور أصبح يميل إلى الاعتماد على هواتفهم الذكية وتطبيقاتها للحصول على الأخبار الفورية. وبيّنت أن لدى المتابعين شغفًا أكبر لمعرفة ما يحدث في العالم، وأن الأخبار ذات القيمة العالية تساهم في بناء ثقة الجمهور في وسائل الإعلام.

هل ستصبح منصات التواصل الاجتماعي بديلاً عن وسائل الإعلام التقليدية؟

كشف تقرير معهد رويترز لدراسات الصحافة لعام 2023 حول الأخبار الرقمية، أن 22% فقط من الجمهور يحصلون على الأخبار في البداية من مواقع الإنترنت أو التطبيقات، وهو انخفاض بمقدار 10 نقاط مقارنة بعام 2018. الفئات العمرية الأصغر سنًا تفضل الحصول على الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو البحث أو تطبيقات تجميع الأخبار. 

وأضاف التقرير، الذي صدر في يونيو 2023، أن الجمهور يولي اهتمامًا أكبر بالمشاهير والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بالصحافيين. كما ذكر غالبية مستخدمي تيك توك، وسناب شات، وانستغرام أنهم يثقون بالمؤثرين كمصدر للمعلومات. وفي المقابل، يحتفظ الصحافيون بدور رئيسي على فيسبوك وإكس.

اقرأ/ي أيضًا

ما هو التضليل المغرض؟ وهل ساهمت جهود مكافحته في زيادة انتشاره؟

أبرز الأساليب الحديثة لحملات التضليل الممنهجة وطرائق كشفها

الأكثر قراءة