` `

موجة من المعلومات المضللة مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية

محمود حسن محمود حسن
سياسة
14 أغسطس 2024
موجة من المعلومات المضللة مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية
مسؤولو الانتخابات يواجهون طوفانًا من المعلومات المضللة بحسب تقارير

يرى التقرير الأخير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، أن المعلومات المضللة قد تتسبب في زعزعة العمليات الانتخابية بشكل جذري في العديد من الدول خلال العامين المقبلين. 

ويشير التقرير إلى أن تزايد انعدام الثقة في المعلومات والتصحيحات التي تقدمها جهات تقليدية كبعض وسائل الإعلام، والحكومات، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم هذه المشكلة، إذ يحذر التقرير من أن محاولات السلطات لقمع انتشار المعلومات الكاذبة قد تؤدي إلى تآكل حرية التعبير والحقوق المدنية. 

يحذر التقرير أيضًا، بأن عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهة هذه الظاهرة، قد يخلق حلقة مفرغة من الاضطرابات المدنية مستقبلًا، وقد يتسبب في نشوب مواجهات على شكل أعمال العنف كتلك التي حدثت في بريطانيا مؤخرًا.

مؤخرًا، تصاعدت المخاوف بشأن التدفق الكثيف للمعلومات المضللة مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، وخاصة بعد سلسلة من الأحداث التي رافقت التحضير لها، مثل محاولة اغتيال المرشح دونالد ترامب، وانسحاب منافسه السابق، جو بايدن من السباق الانتخابي. 

يشير ستيف هوبز، سكرتير ولاية واشنطن، بوضوح لهذا الخطر، إذ حذر الناخبين الأميركيين في الثاني من أغسطس/آب الجاري، من خطر قادم للمعلومات المضللة على الانتخابات. 

فيما أشارت مراجعة لأكاديمية نيويورك للعلوم أنّ 58% من البالغين في الولايات المتحدة، يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيعمل على تضخيم المعلومات الخاطئة في انتخابات عام 2024.

منصة إكس المتهم الأبرز بالتدخل السلبي في الانتخابات

تتعرض منصة إكس مؤخرًا لانتقادات واسعة، على خلفية مزاعم تدخلها في الانتخابات الأميركية وتسامحها مع نشر المعلومات المضللة المتعلقة بها. ووفقًا لتقارير متعددة، فإن مالك المنصة، إيلون ماسك، متورط بشكل ما، في حملة التضليل هذه، أو التشجيع عليها. فإلى جانب كونه المالك، يُعد شخصية مؤثرة عالميًّا، إلى جانب كونه مليارديرًا ومالكًا لشركتي تيسلا وسبيس إكس العملاقتين. 

تقول التقارير إنّ ماسك كرّر مرارًا ادعاءات زائفة يتبناها الجمهوريون، مثل التشكيك في صدقية آلات التصويت وبطاقات الاقتراع المرسلة بالبريد، وهي أدوات مستخدمة على نطاق واسع في الانتخابات الأميركية. 

كما زعم ماسك مرارًا وجود تصويت غير قانوني من قبل غير المواطنين، لينفي في المقابل مسؤولو الحملات الانتخابية مزاعمه ويدعونه إلى اجتماعات وجولات للتعرف على آلية التصويت وإجراءات الأمان المعتمدة، والتي أكدوا أنها قوية جدًا. 

صورة متعلقة توضيحية
إيلون ماسك شكك في عدة منشورات حول دقة الأساليب المعتمدة في الانتخابات الأميركية

تزايد الاتهامات التي تزعم أنّ المنصة تتسامح مع التضليل

في تقرير نشرته صحيفة ذا غارديان البريطانية، أُشير إلى أنّ منصات التواصل الاجتماعي وخاصة إكس باتت تتبنى مواقف أقل صرامة في التحقق من صحة المعلومات الزائفة المتعلقة بالانتخابات. هذا ما كررته تصريحات ميكيلا باندثاران، المستشارة في دورة تنظيم الانتخابات، بقولها إن منصة إكس برزت كمساحة شهدت بشكل خاص تغييرًا ملحوظًا في تدني صرامة التعامل مع تصحيح المعلومات الخاطئة عن الانتخابات، وأكدت أن هذا التغيير، الذي يبدو أنه يأتي من أعلى هرم القيادة في المنصة يعكس مدى خطورة الوضع.

كما اتهمت جهات عدّة إيلون ماسك باستخدام السخرية كقناع لنشر المعلومات المضللة. ووفقًا لتقرير ذا غارديان، فقد رصدت مشاركة ماسك لمنشورات ساخرة ذات أبعاد سياسية، يبدو أنّ الهدف منها نقل رسائل مضللة.

من بين تلك المنشورات، مقطع فيديو نشره ماسك في 27 يوليو/تمّوز الفائت، والذي وصل التفاعل عليه إلى أكثر من مئة مليون شخص. احتوى المقطع على صوت مُولّد بواسطة الذكاء الاصطناعي يُنسب زيفًا إلى كمالا هاريس. تقول الصحيفة إنّ هذا النوع من المحتوى أثار مخاوف من إمكانية أن يصدق بعض المستخدمين هذه المعلومات ويعتبرونها حقيقية.

وفي أحدث اتهام مرتبط بالتدخل بالانتخابات، انتقدت المنصة بسبب نشرها لمعلومات مضللة حول مواعيد الانتخابات، عبر برنامجها للذكاء الاصطناعي غروك "Grok". 

وكان خمسة من مسؤولي الانتخابات من ولايات أميركية مختلفة كتبوا رسالة إلى إيلون ماسك، يطالبون فيها بإصلاح البرنامج لضمان توفير معلومات دقيقة للناخبين. ويقول مراقبون إنّ الخطأ استمر لمدة 10 أيام، مما أدى إلى انتشار معلومات خاطئة حول مواعيد الاقتراع في ولايات عدة، بما في ذلك ألاباما وتكساس. 

كيف ردت منصة إكس على المزاعم؟

في ردّها على المزاعم بالتساهل مع التضليل، تدافع المنصة عن موقفها انطلاقًا من مبدأ حرية التعبير، مؤكدة أنّ اتهامات التساهل مع المعلومات الزائفة والمضللة غير صحيحة. وتوضح المنصة أنها تراقب باستمرار المعلومات المضللة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالانتخابات، لكنها ترى أن الأدوات الحكومية المستخدمة لمكافحة هذه المعلومات غالبًا ما تكون أدوات قمعية تهدف إلى إسكات الأصوات المعارضة بدلًا من حماية الحقيقة.

ذا نيويورك تايمز: مسؤولو الانتخابات يواجهون طوفانًا من المعلومات المضللة

يرى تقرير لصحيفة ذا نيويورك تايمز أنّ مسؤولي إدارة الانتخابات منهكين، إذ أصبحت مسألة مواجهة سيل من المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة جزءًا كبيرًا من وظائفهم، فلم يعد هؤلاء المسؤولون يقومون بمهامهم التقليدية فقط، مثل تجهيز معدات التصويت، بل أصبحوا أيضًا مدافعين ضد انتشار الشائعات والأكاذيب التي تؤثر على ثقة الجمهور في النظام الانتخابي. 

ورصدت الصحيفة ارتفاعًا في انتشار الأخبار المضللة ونظريات المؤامرة قبل الانتخابات الأميركية، وخاصة تلك التي تصدر عن النواب والسياسيين أمثال مارجوري تايلور غرين، وهي نائبة جمهورية معروفة بترويج نظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة، بحسب الصحيفة.

برينان للعدالة: البيئة المعلوماتية المحيطة بالانتخابات قد تكون أسوأ في عام 2024 

يصدر مركز برينان للعدالة (Brennan Center for Justice)، وهو مؤسسة غير حزبية تعمل في مجال القانون والسياسات العامة تقارير لمراقبة الانتخابات الأميركية، وما يحيط بها من معلومات مضللة. 

ويرى المركز في أحدث تقرير له بأن التغيرات التقنية، في عام 2024 مثيرة للقلق مقارنة بعام 2020، وذكر المركز خمسة عوامل أساسية قد تهدد بتفاقم الوضع وكانت جوهر التقرير.

الهجمات القانونية والسياسية من قبل اليمين: يشير التقرير لتحركات حديثة ومستمرة، من قبل جهات سياسية وقانونية يمينية تهدف لتفكيك الشبكات البشرية والمؤسساتية، التي توثق وتكافح المعلومات المضللة، وذلك على النحو الذي حصل في الانتخابات السابقة، ولكن بشكل أكثر حدة عما كانت به عام 2020.

التطورات في الذكاء الاصطناعي: يرى التقرير أن هذه التطورات توفر أدوات جديدة لمن لهم مصالح في قمع الناخبين وتلويث البيئة المعلوماتية بطريقة غير مسبوقة من ناحية الحجم والتعقيد، على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي قد يساعد أيضًا في مواجهة هذه التهديدات.

تباطؤ شركات التواصل الاجتماعي في مراقبة المحتوى

يقول تقرير برينان، إن شركات التواصل الاجتماعي الكبرى قلّصت بصورة كبيرة كبير الموارد المخصصة لمواجهة المعلومات المضللة المتعلقة بالانتخابات. 

كما أنّ البيئة المتشظية لوسائل التواصل الاجتماعي أضافت تحديات جديدة، خاصة مع الانتشار المتزايد لبرامج التواصل المشفرة مثل واتساب وتيليغرام، إذ إن محتوى هذه البرامج يصعب الوصول إليه، ومراجعته مما يجعل من الصعب تتبع الحملات المضللة المرتبطة بالانتخابات.

زيادة التدخلات الأجنبية في الانتخابات

ترى تقارير تستند إلى مصادر حكومية أميركية بأنّ عمليات التدخل الأجنبي في الانتخابات، تترافق غالبًا مع انتشار واسع للمعلومات المضللة، ومع مرور الوقت تزداد خطورة الحملات الأجنبية الساعية للتأثير على الانتخابات الأميركية.

وفي ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط بسبب الحرب على غزة، وزيادة التوتر بين الولايات المتحدة والصين، تتضاعف مصلحة القوى الأجنبية في التأثير على نتائج انتخابات 2024. 

ومنذ عام 2022، حذرت وزارة الأمن الداخلي، والمخابرات الأميركية، وشركات التكنولوجيا الكبرى من احتمال تدخل كل من روسيا وإيران والصين في الانتخابات المقبلة، إذ تُعد روسيا وفقًا لشركة مايكروسوفت، “التهديد الأكثر التزامًا وقدرة” على التأثير في الانتخابات الأميركية.

ويذكر أنّ الولايات المتحددة أعلنت في يونيو/حزيران 2024 أنها فككت شبكة حسابات روسية تعمل بالذكاء الاصطناعي وتنشر منشورات مضللة. كما وقّعت مؤخرًا على مذكرة تفاهم مع أستراليا لمكافحة التضليل القادم من دولة أجنبية.

تدابير حديثة لمواجهة المعلومات المضللة خلال فترة الانتخابات

يرى مركز برينان ضرورة اتخاذ خطوات حاسمة لمواجهة التحديات الجديدة المرتبطة بالتضليل خلال فترات الانتخابات. وبحسب المركز، يجب على وسائل الإعلام، والمسؤولين عن الانتخابات، وشركات التكنولوجيا، وصناع السياسات تبني ردود فعل متعددة الأوجه. 

ويوصي المركز بتعزيز التعاون بين الجهات المختلفة لإزالة العقبات أمام وقف انتشار الأكاذيب الانتخابية، وتزويد المواطنين الأميركيين بمعلومات دقيقة حول التصويت والانتخابات. 

كما تشمل توصيات المركز تعزيز ممارسات الأمن السيبراني، وزيادة جهود توعية الناخبين، وضمان تجهيز فرق مراقبة المحتوى متعددة اللغات بشكل كافٍ، وتطوير أدوات وتقنيات لمنع استغلال الذكاء الاصطناعي في نشر الأكاذيب الانتخابية.

وفي هذا السياق، شاركت الوكالات الفيدرالية الأميركية مؤخرًا، بما في ذلك وكالة الأمن السيبراني ومكتب التحقيقات الفيدرالي، في جهود متواصلة مع منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية لتحديد وإزالة المعلومات الكاذبة المتعلقة بالانتخابات.

تعزيز أمن قواعد بيانات تسجيل الناخبين

تعمل الولايات الأميركية مؤخرًا على تأمين قواعد بيانات تسجيل الناخبين، من الاستهداف بالهجمات الإلكترونية أو المعلومات المضللة. يشمل ذلك حسبما أشارت مصادر حكومية تطبيق إجراءات التحقق من الهوية متعددة العوامل للوصول إلى هذه القواعد، ومراقبة الأنشطة غير المعتادة، وتدريب المسؤولين عن الانتخابات على كيفية التعامل مع التهديدات المحتملة. 

الشراكة مع منظمات المجتمع المدني

كون الإجراءات الحكومية الرسمية التي تحد من المعلومات المضللة غالبًا ما تكون غير كافية، وتتعرض لانتقادات حقوقية، هنالك توّجه حكومي أميركي متزايد مؤخرًا نحو زيادة الشراكات مع المنظمات غير الحكومية وحركات المجتمع المدني، للحصول على مساعدتها في مراقبة المعلومات المضللة المتعلقة بالانتخابات والإبلاغ عنها. 

وتلعب منظمات مثل كومون كوز Common Cause ومركز برينان للعدالة، دورًا مهمًا بحسب مراقبين في تحديد السرديات الكاذبة والعمل مع المنصات لإزالتها.

اقرأ/ي أيضًا

ادعاءات مضللة استهدفت المهاجرين العرب والمسلمين خلال الانتخابات التشريعية الفرنسية

مسارات التضليل في الانتخابات الأميركية

الأكثر قراءة